إختر أحد أقسام الموقع


 


Researches

الأبحاث

 

السهول الساحلية الغربية

في دولة الإمارات العربية المتحدة

الظروف المناخية العامة :

    يقع إقليم السهول الساحلية العربية لدولة الإمارات الغربية المتحدة فيما بين خطي طول 51 درجة ، 10و56 شرقاً وبين دائرتي عرض 40و24 درجة عند خور العديد ورأس قميص  و10و26 درجة عند بلدة شعم . ويتميز مناخه بشدة حرارته وجفافه معاً تبعاً لوقوع هذه الأراضي ضمن نطاق المناخ الصحراوي الحار الجاف في القسم الجنوبي الغربي من قارة آسيا . وقد أسهمت المسطحات المائية للخليج العربي الضحل المحدود المساحة في ارتفاع نسبة الرطوبة في الهواء . ومع ذلك تختلف الظروف المناخية من قسم إلى آخر في هذه السهول الغربية تبعاً لمدى اقتراب السلاسل الجبلية أو بعدها عن خط الساحل ، وللاختلافات الفصلية في توزيع نطاقات الضغط الجوي مع حركة الشمس الظاهرية وبما قد تتأثر به من كتل هوائية قارية أو رطبة وأخرى باردة أو دفيئة تتحرك إلى الإقليم من مناطق بعيدة عنده وتؤثر في ظروفه المناخية .

    و إذا كانت المناطق السهلية الصحراوية تحف القسمين الغربي والأوسط من هذه

1

السهول الساحلية فإن سلاسل المرتفعات الشمالية ورؤوس الجبال تقترب كثيراً من سواحل القسم الشمالي الشرقي منها ، وكان لذلك تأثيره الواضح على الاختلافات في الظروف المناخية بوجه عام وفي كمية التساقط بوجه خاص، فمن دراسة بيانات درجات الحرارة للمحطات المناخية الواقعة على طول الساحل الغربي لدولة الإمارات يتضح أنها تنحصر بين خطي الحرارة المتساويين 16 و 18 (د.م) شتاءً وبين 35 و 36  (د.م) صيفاً.

 

وقد أثرت هذه الاختلافات الحرارية الفصلية في تشكيل مراكز الضغط الجوي خلال فصلي الشتاء والصيف . فتبعاً لانخفاض درجة الحرارة خلال فصل الشتاء يتميز الضغط الجوي بارتفاعه ويتراوح بين 1018 و 1019 ملليبار في المحطات السابقة الذكر , في حين ينخفض مقدار الضغط الجوي فوقها خلال فصل الشتاء (تبعاُ لارتفاع درجة الحرارة ) ويتراوح فيها بين 998 و 4ر998 ملليبار .إلا أن منطقة السهول الساحلية الغربية في دولة الإمارات العربية المتحدة وبقية أراضي الدولة تتأثر بنطاقات الضغط الجوي المرتفعة والمنخفضة المتمركزة في المناطق الأخرى المجاورة لها وهي أساس تشكيل اتجاهات هبوب الرياح واختلاف سرعتها ، وتأثر كذلك في مسالك الانخفاضات الجوية الشتوية والتي لها دورها في تشكيل الظروف المناخية في هذا الإقليم كما أن الرطوبة النسبية هي الأخرى مرتفعة وتبلغ ذروتها خلال شهري يناير وفبراير . وتتراوح الرطوبة العظمى بمحطات دبي والشارقة ورأس الخيمة من (79% إلى 83% ) خلال فصل الشتاء وترتفع إلى (90% ) في مدينة أبو ظبي خلال شهر يناير وخلال شهر يوليو تتراوح الرطوبة العظمى من (72% ) في رأس الخيمة إلى        ( 77% ) في الشارقة وأبو ظبي .ومعنى ذلك أن فصل الصيف يتميز بارتفاع درجة حرارته ورطوبته النسبية مما يجعل مناخ السهول الساحلية الغربية غير مريح للسكان .

 

  وتتأثر السهول الساحلية الغربية بالرياح الشمالية والغربية خلال فصل الشتاء ، وبالرياح الغربية خلال فصل الصيف . ولكن تتغير اتجاهات الرياح وتختلف سرعتها تبعاً لمواقع مراكز الضغط الجوي المختلفة ومدى الاختلاف من أعماقها ، فتزداد سرعة الرياح عندما تنتقل من مراكز الضغط الجوي المرتفع صوب مراكز الضغط الجوي المنخفض العميقة نسبياً (التي تتقارب فيها خطوط الضغط المتساوي ) . ومن دراسة بيانات اتجاهات الرياح وسرعتها يتضح أن الرياح الشمالية والشمالية الغربية يسوده هبوبهما على ساحل أبو ظبي بينما يسود هبوب الرياح الشمالية على ساحل دبي والشارقة والرياح الغربية على ساحل رأس الخيمة .وتسهم الرياح الشمالية والشمالية الغربية الشديدة في نشوء الأمواج التي تعمل بدورها على إعادة ترسيب المفتتات الإرسابية على طول شواطئ الساحل الغربي للدولة.

 

 

 

الخصائص الأوقيانوغرافية للمسطحات المائية :

  لا تعزى نشأة السبخات التي هي من أهم الظاهرات الجيومورفولوجية في السهول الساحلية الغربية لدولة الإمارات إلى أثر انغمار أجزاء من أسطح السهول الساحلية بمياه

 

 

البحر فقط  بل كذلك إلى دور الظروف المناخية والخصائص الأوقيانوغرافية التي لها أكبر

 الأثر في تشكيل مناطق السبخات بمجموعات متميزة من رواسب المتبخرات والرواسب الجيرية . فمناخ السهول الساحلية الغربية المرتفع الحرارة والشديد الجفاف ـــ كما سبقت الإشارة من قبل ـــ عمل على زيادة كمية التبخر من مسطحاتها المائية المجاورة لها وأثر ذلك في كيفية تجمع مواد المتبخرات على طول شواطئها من ناحية ، وفي حركة المياه على شكل تيارات بحرية تنتقل من المسطحات المائية الأعلى كثافة إلى تلك الأقل منها كثافة من ناحية أخرى .

  ومن دراسة خطوط الحرارة المتساوية للمياه السطحية أمام السواحل الغربية لدولة الإمارات خلال فصل الشتاء يتبين أن درجة حرارة المياه ترتفع في اتجاه عام من الغرب إلى الشرق . فبينما تصل درجة حرارة المياه السطحية إلى نحو 18 درجة مئوية عند المسطحات المائية المجاورة لساحل جبل الظنة ترتفع عند جزيرة أبو الأبيض إلى 19 درجة وإلى 20درجة عند رأس غناضة وتتراوح من 21 إلى 22 درجة مئوية أمام سواحل دبي والشارقة وعجمان وأم القيوين ورأس الخيمة . ويعزى ذلك إلى تشكيل هذه المسطحات المائية ببعض الكتل الهوائية الباردة الآتية من الشمال وبالجهات الباردة للانخفاضات الجوية الشتوية التي تتجه مسالكها فوق هذه المسطحات المائية. أما خلال فصل الصيف وعند

 

تعامد الشمس على مدار السرطان ترتفع درجة حرارة هواء هذه السهول بشدة ونعمل بدورها على تسخين مياه المسطحات المائية أمام السواحل الغربية لدولة الإمارات ، والتي تقع كلها داخل نطاق خط الحرارة المتساوي ( للمياه السطحية )30 درجة مئوية.

تعمير السهول الساحلية الغربية بالسكان :

   على الرغم من هذا البحث يهدف إلى دراسة مواضع المدن والحالات العمرانية في السهول الساحلية الغربية في دولة الإمارات الغربية المتحدة وتقيم دور البيئة الطبيعية في نشوئها واتجاهات نموها الحضاري ، إلا أننا لا نستطيع أن نغفل دور السكان في اختيار هذه المواضع لتعميرها وتطويرها . فالسكان هم الذين يعيشون في هذه المواضع العمرانية ، وأن التطور  الحضاري السريع لمدن الساحل الغربي لدولة الإمارات جاء في الواقع انعكاساً لتزايد السكان المطرد في هذه المدن وخاصة منذ الثلاثينات من هذا القرن تبعاً لتدفق تيارات الهجرة الداخلية (أي من داخل البلاد إلى المناطق الساحلية ) من جهة ، وتدفق أعداد غفيرة من الوافدين من الخارج للعمل في المجالات المختلفة لدولة الإمارات من جهة أخرى وإن زيادة عدد سكان المدن تتطلب بلا شك ضرورة زيادة مساحة رقاعها المبنية لتستوعب إقامة هؤلاء السكان الجدد فيها . وعند إقامة المنشآت العمرانية الجديدة والأحياء الشعبية والمؤسسات الحكومية والأراضي الخضراء والساحات ، أو

 

بمعنى آخر توفير الأرض المناسبة للنمو الحضاري للمدينة بعد زيادة عدد سكانها ، فإن ذلك يتم وفقاً لمعطيات البيئة الطبيعية للمواضع العمرانية . وقد تسهم الظروف الطبيعية للموضع في سرعة نمو المدينة عمرانياً في اتجاهات مختلفة  ، وقد تؤدي إلى عرقلة نموها العمراني ، وأحياناً إلى تفتيت أحيائها السكنية في نموها في اتجاهات مختلفة بصورة غير منسقة . وعلى ذلك تظهر الرقعة المبنية للمدينة بأشكال مختلفة ، فقد تكون مستطيلة أو مربعة أو دائرية الشكل ، وقد تكون إصبعية أو غير منتظمة الشكل وفقاً للمعطيات البيئية الطبيعية لموضع المدينة .

    أما الآثار التاريخية التي عثر عليها في مناطق متفرقة من دولة الإمارات العربية المتحدة فتتمثل في القلاع والحصون والأبراج والأفلاج . ومن البديهي أن بعض هذه الآثار الأخيرة لا يمكن أن ترجع إلى عدة قرون مضت على الأقل ، وأول من بنى الأفلاج في هذه المنطقة هم العمال المهرة الذين هاجروا من إيران ، كما عثر في واحات ليوا على أبراج مراقبة            وقلاع وحصون .ولأن حديثنا ليس عن تاريخ المنطقة وإنما هو بحث جغرافي فحسب ، لذلك أكتفي بهذا القدر الضئيل من تاريخ المنطقة .و أبدأ في نقطة أخرى :

 

 

 

 

الهجرة البشرية الوافدة وأثرها في زيادة حجم بعض المدن في السهول الساحلية الغربية :

     تلعب الهجرات الحديثة الوافدة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة  دوراً هاماً للغاية في نمو السكان ، وقد بدأ هذا الدور يظهر بوضوح منذ أن توافرت عوامل الجذب القوية الكامنة في تلك الدولة منذ مطلع الستينات ، خاصة حين برز النفط كعامل جذب قوي . ومما هو جدير بالذكر أن ظاهرة الهجرات البشرية الحديثة الوافدة نحو دولة الإمارات هي ليست ظاهرة سكانية جديدة العهد على الدولة ولا تقتصر على عهد النفط فيها . بل كانت معروفةً من قبل ، ذلك لأن موقع الإمارات على الخليج العربي جعلها ملتقى للمؤثرات الحضارية البشرية منذ عهد بعيد ، إلا أن مرحلة الهجرة الضخمة نحو الإمارات بدأت بعد تدفق النفط فيها ، ودخلت بذلك مرحلةً هامة من مراحل التنمية الاقتصادية والاجتماعية وما تطلبته من أيد عاملة فنية وغير فنية وهي ليست متوفرة في المجتمع الإماراتي .

ولكي نتوقف على مدى دور النفط في زيادة تدفق الهجرات البشرية  الوافدة نحو دولة الإمارت العربية المتحدة . وأثرها في زيادة حجم المدن في السهول الساحلية الغربية للدولة بشكل خاص ، يتطلب ذلك التعرف في البداية على تطور عدد السكان في هذه المدن في الفترة السابقة لاكتشاف النفط فيها . وقد اعتمدت في توفير هذه البيانات على التقديرات

 

السكانية التي أوردها عدد من الرحالة والباحثين خلال الفترة الممتدة منذ مطلع القرن العشرين حتى أواخر عقد الستينات من القرن ذاته ، أي حتى ظهور بيانات التعداد الأول للسكان في دولة الإمارات العربية المتحدة الذي تم إجراؤه في منتصف شهر إبريل               من عام 1968م  .

    ويعد تقدير زويمر لسكان مدن الساحل الغربي بدولة الإمارات العربية المتحدة من أقدم التقديرات السكانية ، حيث قدر سكان مدينة أبوظبي (10000) نسمة ، وقدر سكان مدينة دبي بحوالي (15000) نسمة .كان ذلك عام 1901م .

    أما التقدير الثاني لسكان مدن الساحل الغربي لدولة الإمارات العربية المتحدة فقد أورده لوريمر بعد مضي ثلاث سنوات من التقدير الأول , وبالتحديد في عام 1904م ، حين قدر سكان مدينة أبوظبي وحدها بحوالي (6000)  نسمة ، وكان نصفهم تقريباً من قبيلة بني ياس في حين كان الباقي منهم يتبعون قبائل أخرى . بالإضافة إلى ما سبق قدر       لوريمر عدد السكان في إمارة دبي (10000) نسمة وينتمون إلى قبائل متعددة .

    أما آخر التقديرات التي أوردها الرحالة والباحثون فقد تمثل في ذلك التقدير الذي تم في عام 1962م ، وفيه قدر عدد السكان في أبو ظبي (18000) نسمة ، وفي دبي (100000) نسمة ، وفي رأس الخيمة (20000) نسمة .

 

    والخلاصة ، فقد أوضحت التقديرات السابقة لعدد السكان في مدن الساحل الغربي لدولة الإمارات ، أن تطور هذا العدد خلال العقود الستة التي بدأت منذ مطلع القرن العشرين حتى مطلع العقد السادس منه ، يعد بطيئاً جداً في إماراتي أبوظبي                ورأس الخيمة ، أما دبي فتعد الإمارة الوحيدة التي سجلت نمواً سكانياً سريعاً .

ومما هو جدير بالذكر أن تحديد بداية اكتشاف النفط يختلف من منطقة إلى أخرى ، وبالتالي فقد اختلفت أيضاً بداية وفود الهجرات البشرية إلى مدن الساحل الغربي للدولة حيث برز دور الهجرات البشرية الحديثة بأحجامها الضخمة في بداية الأمر في مدينة أبوظبي بسبب أنه تم اكتشاف النفط في الإمارات قبل غيرها من الإمارات الأخرى ، وقد عثر على النفط في إمارة أبوظبي بكميات تجارية هائلة في بئر مريان في عام 1960م ، وصدرت الشحنة الأولى منه في شهر ديسمبر من عام 1963م ، جاء بعد ذلك دور إمارة دبي التي تم اكتشاف النفط فيها لأول مرة عام 1966م في حقل الواقع على بعد 58 ميلاً من ساحل البحر ثم تم تصدير الشحنة الأولى منه في شهر سبتمبر من عام 1969م ، أما إمارة رأس الخيمة فهي تعد آخر الإمارات التي انضمت إلى إمارتي أبوظبي ودبي في مضمار إنتاج النفط ، وقد تم ذلك حين عثر على النفط فيها في البئر الصالح الذي يقع في مياه الخليج في شهر يناير من عام 1984م ، مما يدل على أن أبوظبي تعد سباقةً في هذا المضمار تلتها دبي

 

أخيراً رأس الخيمة التي تعد حديثة العهد من حيث انضمامها في هذا المضمار ، وبالتالي فهذا العامل سيكون له أثره الفعال في حجم الهجرات الوافدة إلى كل مدينة من هذه المدن الثلاث  .

    والخلاصــة فقد سجلت الهجرات البشرية الوافدة نحو دولة الإمارات العربية المتحدة زيادةً سريعةً جداً خلال الفترة الزمنية الفاصلة بين عامين 1968م  و 1985م ، حيث زاد عددها من (94000) نسمة ، إلى (1239200) نسمة خلال الفترة الزمنية المذكورة ، محققاً بذلك زيادةً قدرها ( 1145200) نسمة ، أي بنسبة زيادة قدرها (3ر1218%) مما يدل على أن العدد الكلي للسكان الوافدين لدولة الإمارات العربية المتحدة قد تضاعف بما يزيد على 12 ضعفاً خلال فترة زمنية بلغ مداها أقل من 20 عاماً . وأدى ذلك العامل إلى أم الشريحة السكانية الوافدة بالدولة شكلت غالبية السكان في حين أصبح المواطنون أقلية داخل بلادهم ، وهذه الحقيقة تؤكد على الدور الهام للهجرات البشرية الوافدة للدولة \في زيادة الحجم الكلي للسكان بشكل عام من جانب ، أثرها بالتالي في زيادة حجم مدن الساحل الغربي للدولة بشكل خاص من جانب آخر .

تم بحمد الله تعالى

 

 


Top