يجد الدارس لطبغرافية
المدينة المنورة أنها في مستوى من
الأرض برية وجبلية والغالب على
أرضها السباخ والجزء الجنوبي من
المدينة أكثر ارتفاعاً ويعرف
بالعالية بينما يعرف الجزء الشمالي
بالسافلة .
وتعد قرية قباء من أهم قرى
العالية وهي على ميلين من المدينة
ومتصلة بها . وبقباء كانت منازل
الأوس والخزرج قبل الإسلام . وبها
نزل الرسول r
والمهاجرون الأولون قبل أن يصيروا
إلى موضع المدينة حيث المسجد
النبوي .
ومن أبرز جبال المدينة
أحد في شمالها وعير في جنوبها
الغربي . وسلع في وسطها . كما يحيط
بها من جهتي الشرق والغرب تكوينات
بركانية تشكلت نتيجة للنشاط
البركاني الذي تعاقب على المدينة
خلال العهود القديمة وقد عرفت هذه
التكوينات في المدينة باسم لابتي
المدينة أو حرتيها . وهما حرة واقم
في الشرق وحرة الوبرة في الغرب .
للمدينة عدة أودية تجري
خلالها في وقت الأمطار والسيول من
جبال بمواضع في شرقها وجنوبها .
ومن أشهر تلك الأودية :
وادي العقيق في جهة الغرب منها ..
ووادي بطحان الذي يمر بالمدينة وسط
بيوتها في جهة الغرب ويشق وادي
مهزور الحرة الشرقية إلى العريض
ملتقياً أيضاً ببطحان في طريقه
غربي المدينة .. وفي شمال المدينة
وادي قناة ويأتي ماؤه من شرقيها ثم
تتجمع مياهه مع الأودية المذكورة
بموضع يقال له الغابة .
وقد ساعد النشاط البركاني
في المدينة على حجز المياه الجوفية
مما جعل في الاستطاعة الوصول إليها
في أي بقعة منها عند حفر الآبار
العميقة . ولذلك كثرت في المدينة
الآبار التي يسقى منها النخل
والزرع . ومن هذه الآبار :
ــ بئر إريس غربي مسجد
قباء .
ــ بئر حاء شمال المسجد
النبوي .
ــ بئر بضاعة شمال غرب
المسجد النبوي .
ــ بئر رومة وسط العقيق .
وكان لتضافر تلك العوامل
الطبيعية التي أشرنا إليها مثل
توفر المياه بجميع مصادرها
بالاضافة إلى خصوبة التربة
البركانية أن أصبحت المدينة في
المقام الأول مدينة زراعية على
العكس من مكة التي كانت مدينة
تجارية .
قيل في سبب تغيير اسم يثرب
أنه يعود إلى حب الرسول r
للاسم الحسن إذ أن يثرب من الثرب
وهو الفساد أو التثريب وهو
المؤاخذة بالذنب .
ومما يجدر ذكره هنا أن
الرسول r حينما
هم بالتحول من قباء إلى موضع مسجده
قال : أمرت بقرية تأكل القرى يقولون
يثرب وهي المدينة .
وذلك يعني أن موضع المسجد
النبوي اليوم وما حوله كان يعرف
باسم يثرب .
من العوامل التي ساهمت في
إسراع الأوس والخزرج للدخول في
الإسلام ونصرة نبيه هو التنافس
والتفاخر القبلي بين الحيين ذلك أن
خوف الخزرج من أن تسبقهم الأوس إلى
الدخول في الإسلام جعلهم يقطعون
الطريق على إخوانهم الأوس ويعلنون
استعدادهم لمحالفة الرسول r
. كذلك خوفهم من أن تسبق إليه يهود
الذين كانوا يتوعدونهم إذا ظهر هذا
النبي المنتظر .
ويظهر أن النافسة بين
الأوس والخزرج كانت من القوة بحيث
أننا نجد لها ذيولاً حتى بين
المسلمين منهم حتى قيل إن مصعب بن
عمير كان يصلي بهم وذلك أن الأوس
والخزرج كره بعضهم أن يؤمه بعض (1)
كان الأنصار يتحببون إلى
رسول الله r
بالهدايا رجالهم ونساؤهم وكانت أم
سليم امرأة من الأنصار تتأسف على
ذلك وما كان لها شيئ فجاءت بابنها
أنس بن مالك وقالت : يخدمك أنس يا
رسول الله .
من خلال تتبعنا بالدراسة
في كتب التراجم تجلت لنا ميزة انفرد
بها الأنصار أكثر من غيرهم وتلك
اتجاههم لطلب العلم وحرصهم على
التفقه في الدين وهي ميزة جبلوا
عليها نتيجة معايشتهم لليهود أصحاب
العلم والكتاب ورغبتهم الصادقة أن
يتفوقوا عليهم .
وقد عرف في الأنصار جماعة
وهبوا أنفسهم لدراسة القرآن عرفوا
بالقراء ولم يكن عملهم الديني
واهتمامهم العلمي ليشغلهم عن كسب
عيشهم بأيديهم فقد كانوا يحتطبن
بالنهار ويتدارسون القرآن بالليل .
وقد برع منهم كثيرون في العلم كأبي
بن كعب الأنصاري وأسيد بن حضير الذي
كان من أحسن الناس صوتاً بالقرآن .
الحلف : هو علاقة اجتماعية
تقوم على المعاهدة والمعاقدة
للتعاضد والتساعد والاتفاق على أن
يكون الأمر واحد بالوفاء . وقل أن
ترفضه قبيلة ما لأنه يعبر عن قوتها .
وطالب الحلف كثيراً ما
كان قد أصاب دماً في قبيلته فهرب
إلى القبيلة الأخرى يطلب حلفها
وحمايتها كما أن الحلف يعبر عن قوة
القبيلة ومكانتها . وقد يسمى الحليف
باسم حلفائه .
وتكون المصاهرة خارج
القبيلة إحدى دواعي المحالفة .
وجود الموالي في مجتمع
المدينة كان ضرورة اجتماعية لاغنى
عنها للاعتماد الكبير عليهم
لقيلمهم بكثير من الأعمال والخدمات
التي يصعب على المجاهدين القيام
بها لانشغالهم بأمر الغزوات ونشر
الإسلام .
من أسباب الرق زمن النبوة
:
أ ــ السبي وهو الغالب .
ب ــ البيع وهو الأكثر
شيوعاً قبل الهجرة .
جـ ــ الهدايا . د ــ
الاختطاف .
وكان للرقيق مصادر رئيسة
تغذي مرافق العمل في المدينة
وتساعد على تسيير عجلة الإسلام
فيها ومن أشهر هذه المصادر :
الحبشة وفارس .. وتعد بلاد
النوبة إحدى المصادر المشهورة لمد
المدينة بالرقيق .
والمولى : هو العبد
المملوك كما يراد به أيضاً العبد
المعتق وقد استحب أهل المدينة
استعمال لفظ مولى فلان وفضلوه على
قولهم : عبد فلان .
وكان الموالي يزاولون بعض
المهن والحرف الوضيعة والتي كان
العربي يأنف أن يقوم بها وكانت
الحجامةإحدى هذه الحرف .
وكان العزاب من المهاجرين
ينزلون على سعد بن جثيمة في بيته
القريب من مسجد قباء(1) .
أثناء فتح خيبر قدم مع
جعفر بن أبي طالب من الحبشة كثير من
قريش ممن كانوا هاجروا إليها
فراراً بدينهم وقد كان قدوم هؤلاء
تنفيذاً لأمر رسول الله r
فهو الذي طلب قدومهم وكانت تحملهم
سفينتان .
وقد حرص النبي r
على قدمهم إلى المدينة المنورة لما
يتوسمه فيهم من عزيمة لسبقهم في
دخول الإسلام وصدق إيمانهم وقوة
تحملهم للشدائد فكان يقول عن عبد
الله بن جحش رضي الله عنه أحد
المهاجرين إلى الحبشة :
" لأبعثن عليكم رجلاً
أصبركم على الجوع والعطش "
الظاهر أن الرسول r
رأى ضرورة الحد من استمرار الهجرة
إلى المدينة والتي إذا ما استمرت
فسوف تفقد المدينة قدرتها على
استيعاب المهاجرين وتوفير ضروريات
المعيشة لهم ولذا نجد أن رسول الله r
قد حرم مساحة محدودة من المدينة
لايختلى خلالها ولا يعضد شجرها
وقدرت تلك المساحة على أنها بريد في
بريد(1).
وقد رأى بعض المؤرخين أن
حرم المدينة ليس كحرم مكة في
أحكامها فتحريم المدينة كان اجراءً
اقتضته ضرورة الحد من تدفق
المهاجرين وتزايدهم فوق قدرة
المدينة الاستيعابية.
وقد ساعد قفل باب الهجرة
على انتشار الاسلام بين القبائل في
اليمن والشام وغيرها من أنحاء
الجزيرة العربية وذلك لكثرة من وفد
على النبي r
وتفقه في الدين ثم رجعوا إلى قومهم
يحدثونهم عن الاسلام ويدعونهم إليه.
ذكر أن لبعض أهل نجد على
غلظتهم دراية بفنون البناء على عهد
النبي r ويبدو
أنهم تركوا بصمات واضحة على طريقة
وفن العمارة في المدينة بعد الهجرة
فقد حكي أن طلق بن علي الحنفي بنى مع
الصحابة مسجد رسول الله r
وقال النبي r :
" قربوا له الطين فإنه أعرف " .
ذكر أبو خميصة المزني
أنهم حضروا طعاماً مع رسول الله r
وهو يشتغل بحديث رجل أو امرأة
فجعلوا يأكلون ويقصرون في الأكل
فأقبل عليهم النبي r
فأكل معهم ثم قال كلوا كما يأكل
المؤمنون ، فأخذ لقمة عظيمة ثم قال :
هكذا لقماً خمساً أو ستاً إن كان مع
ذلك شيئ وإلا شرب .
وروى نعامة الظبي قال :
كان رسول الله r
إذا قرب إليه الطعام قال :
"سبحانك ما أحسن ما
ابتليتنا ، سبحانك ما أكثر ما
أعطيتنا ، سبحانك ما أعظم ما
أعفيتنا".
تعد مساهمة بعض المهاجرين
في مجال الطب بالمدينة مساهمة
كبيرة ورائدة حيث ذكر أن أبا رمثة
التميمي كان طبيباً على عهد رسول
الله r كما كان
على أيامه الحارث بن كلدة الثقفي
وكان قد تعلم الطب بناحية فارس
وتمرن هناك وعرف الداء والدواء
وبقي أيام رسول الله r
وأيام أبو بكر وعمر وعثمان وعلي
ومعاوية .
يبدو أن اهتمام المهاجرين
بنظافة المدينة جعلهم يكثرون من
إحراق البخور في أجوائها وفي ذلك
ذكر أنه قدم على عمر بن الخطاب بسقط
عود فلم يسع الناس فقال : جمروا به
المسجد ينتفع به المسلمون ..
وقد ذهب بعضهم في قوله
حداً بأن للعطر والبخور من الرائحة
الطيبة إذا كان في المدينة أضعاف ما
يوجد له في غيرها من البلدان .
كان من مظاهر الترابط
والتعاون بين المهاجرين والأنصار
أنه كان على المسلم أن يتزحزح لأخيه
المسلم إذا دخل عليه حتى ولو كان في
المكان سعة ..
وكان تبادل الهدايا فيما
بينهم يعد تعبيراً عن مدى ما بينهم
من محبة واحترام . ولم يكن ينظر إلى
ثمن أو قيمة الهدية.
وقد أصبح لدعولت الطعام
والولائم في المجتمع المدني معنى
يعبر به عن المحبة والتقدير .
سأل أحد الصحابة رسول
الله r : " أمن
العصبية أن يحب الرجل قومه ؟ قال :
لا ولكن من العصبية أن يعينهم على
الظلم ".(1)
شرع الرسول r
حال قدومه في بناء المسجد الجامع
وحرص على أن يكون موقعه وسط حرم
المدينة وقد يسر موقع المسجد
المتوطس هذا على جميع المسلمين
مهمة الاتصال بالرسول r
واللقاء به كل الأوقات .
ولم يكن المسجد عند
تأسيسه كبيراً إذ كان طوله سبعين
ذراعاً في عرض ستين أو يزيد قليلاً.
ثم زيد عليه لما ضاق بأهله .
بدأ تنظيم المؤاخاة في
السنة الأولى من الهجرة بعد خمسة
أشهر أو ثمانية حيث دعا الرسول r
أصحابه من المهاجرين والأنصار إلى
اجتماع في مسجد المدينة حدد فيه
أسماء نخبة من المسلمين قيل أنهم
تسعون وقيل بل مئة وكانت صفة صحة
عقد المؤاخاة تتم بأخذ الأخوين
الذين عينهما الرسول r
بيد الآخر مرددين أنهما إخوان في
الله وترتب على تلك الأخوة حقوق
ميزتها عن أخوة ذوي الأرحام وسمت
بها كثيراً فالأخ في الله هو المقدم
على ذوي الأرحام في الميراث ثم نسخ
هذا الأمر ، ويبدو أن الرسول r
كان يريد بذلك التنبيه على أهمية
وعظم أمر المؤاخاة لما سيترتب
عليها من أمور عظيمة في صالح
الإسلام وقيام مجتمع إسلامي ليس
للعصبية الجاهلية مكان فيه .
فالمؤاخاة بذلك المعنى
كلنت عملاً مثالياً لما يجب أن يكون
عليه المسلمون ولم تكن نظاماً يجب
أن يفرض على الجميع . إذ أن باب
الخيار كان مفتوحاً لمن أراد أن
يتبعه أو عكس ذلك . ولعل مما يدلل
على ذلك ما وجد من عناية فائقة
اتبعت عند اختيار المتآخين من
الصحابة .
فقد أظهرت الدراسة
المقارنة والتحليلية لعينات كافية
من الصحابة ممن آخى الرسول r
بينهم ، أن المؤاخاة قد راعت
العوامل النفسية والعلمية
والفكرية وتوخت تقارب المستوى
الاجتماعي والفكري بين المتآخين
بغية توفير كل الأسباب لنجاحها
وتقويتها وحتى يكون في تشابه
مشاربهم وطباعهم ما يذهب محشة
الغربة عنهم ويؤنسهم من مفارقة
الأهل والعشيرة .
فمن ذلك المؤاخاة بين
جعفر بن أبي طالب ومعاذ بن جبل فهما
متفقان في الطباع والسلوك . وسعيد
بن زيد وأبي بن كعب .. ومصعب بن عمير
وأبو أيوب الأنصاري .. وسلمان
الفارسي مع أبي الدرداء .
وعبد الرحمن بن عوف وسعد
بن الربيع فهما مجبولان على الكرم
ومحبان للبذل .
أما الزبير بن العوام
وسلمة بن سلامة بن وقش فقد كانت
تجمعهما الشجاعة والجرأة وحب ركوب
الصعاب .
وروعي التكافؤ الاجتماعي
عند المؤاخاة بين أبي عبيدة وسعد بن
معاذ .
أما بلال بن رباح وكان
عبداً حبشياً فقد آخى الرسول r
بينه وبين أبي رويحة عبد الله بن
عبد الرحمن الخثعمي وقد كان عبداً
مملوكاً فأعتق .